صدمني حقيقة أن أرى هذا الإعلان عن فاعلية سوف تقام في ذكرى ميلاد المعماري العبقري حسن فتحي وقد تصدر عنوانها عبارة “مهندس الفقراء” !!!!!!! وكتب في متن الدعوة للتعريف به :

“…….. اشتهر بطرازه المعماري الفريد الذي استمد مصادره من العمارة الريفية النوبية المبنية بالطوب اللبن ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة…….”

مصدر صدمتي هو أننا لا نزال نظلم هذا الرجل ميتاً كما ظلمه معاصروه حياً ، فهذا اللقب “مهندس الفقراء” يختصر كل الإسهامات الفكرية الذي قدمها هذا المعماري العبقري للعمارة على مستوى العالم في هذه المساحة الضيقة!!!!! وهو ما أعتبره ظلم وإهدار شديد لحقه. فالميراث الفكري الهائل الذي تركه فتحي لا يمكن بأي حال من الأحوال تلخيصه بصورة سطحية في مجرد “طراز” أو مجموعة مفردات بصرية وظفها البعض بعد تفريغها من المعنى ليتكسب منها !!!!، فبقليل من التفكير الواعي وكثير من الإنصاف سنجد أن ما يشهده العالم من نموا متسارعا للوعي بقضايا الاستدامة في البناء منذ سبعينات القرن الماضي يعود الفضل في قدر كبير منه لهذا الرجل العظيم الذي سار عكس التيار في الأربعينات. ففي وقت أن كان العالم يستنزف الموارد بسفه شديد كان فتحي يدعو للترشيد وإعادة التدوير والاستخدام ووقت أن كان العالم مبهوراً بما يمكن أن تحققه الخرسانة المسلحة غير منتبه للتبعات الكارثية للاستخدام المفرط لها كان فتحي يدعو لتوظيف المواد الطبيعية المحلية في البناء!!

لقد كان من أوائل من لفت أنظار العالم للقوة الكامنة في استخدام الطاقات الطبيعية وأول من تحدث عن قضية استدامة الموروث الثقافي للمجتمعات والتي ظلت غائبة لفترة طويلة عن معايير الاستدامة التي وضعت في ميثاق مينيسوتا في الثمانينات من القرن الماضي حيث ظلت تلك المعايير تحرص تماما على الأبعاد المادية فقط والمتعلقة بالمواد والطاقة والمخلفات وغيرها وغفلت لفترة طويلة عن كل ما يتعلق بالأبعاد الثقافية والاجتماعية .

لقد كان فتحي من أوائل من وضع فكرة التنمية من خلال العمارة ومشاركة المجتمعات المحلية في البناء.

وقت أن كان العالم يسير وراء العلب الخرسانية وينشئ منها مدن سكنية يحشر فيها الناس كنتيجة للدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية كان فتحي على النقيض يسعى وراء عمارة إنسانية تحترم الفرد وتحترم شخصيته وملامح مجتمعه وهو ما وضعه هدف في تصميمه لمجتمع الجرنه وعمرانه.

أنا شخصيا أعد أستاذنا حسن فتحي من أهم معماري القرن العشرين قاطبة إن لم يكن أهمهم على الإطلاق لأن إنتاجه الفكري أسس لمفهوم أشمل للعمارة يتخطى الاهتمام بمجرد الجانب المادي البنائي لها.

إن مثل فتحي في مصر كمثل سنان باشا في تركيا فأنا أعُده من “البنائين” العظام الذين أثروا العالم بنتاج فكري ونتاج بنائي يمتد أثره لعقود أو لقرون طويلة.

لقد اُهدار حق هذا الرجل كثيرا وكأن العالم قد ضن على معماري عربي أن يتبوأ هذه المكانة الرفيعة على الرغم من أن إسهمات حسن فتحي الفكرية تفوق بمراحل ما قدمه على سبيل المثال فرانك لويد رايت للعمارة ولكن الأخير يحظى بمكانة دولية أكبر بكثير من معمارينا العبقري.

أتمنى أن تكون هذه الفاعلية مناسبة لاستعادة هذا الحق المهدور وأتمنى لو يتبنى أحد الأكادميين من شباب المعماريين إجراء دراسة أو بحث علمي موثق يتناول بالرصد والتتبع لتأثير المنهج الفكري الذي طرحه هذا الرجل على العمارة العربية والدولية وتحديد نقاط نجاحه وإخفاقه بإنصاف علمي دقيق كي لا يترك الأمر للتصنيفات والأحكام السطحية ولكي يتم توثيق أثر هذا الرجل في مسيرة العمارة الإنسانية.

لقد كتبت مقال مفصل سابقاً في هذا الأمر وأضع رابطه لكم لعلنا نستعيد حق هذا الرجل دوليا في كل ما ذكرته ولا نقبل حصر كل تلك الإسهامات في هذه الزاوية الضيقة.