المسجد ..القضية (4) – نظرة جديدة لمفرداتنا التراثية
بداية وقبل أن أدلف إلى شرح القضية الرابعة أود أن أذكر المتابعين الفضلاء بأن ما أقوم بنشره هو محض تجربتنا الخاصة في تصميم المسجد وأنني قصدت من وراء هذا الشرح أمران
الأمر الأول – تعميم الفائدة وتقديم ما توصلنا إليه من أفكار كزكاة علم ينتفع بها من يجد فيها فائدة له
الأمر الثاني – وهو في غاية الأهمية أنني أحاول أن أقدم مثال لأسلوب ومنهج للتفكير الواعي للمعماري المصمم حينما يتعامل مع القضايا التصميمية، فهذا المنهج وهو الأهم في الحقيقة مما توصلنا إليه من نتائج وحلول فمن خلاله قد يصل غيرنا لما هو أفضل مما توصلنا إليه فلا أقول أن ما توصلنا إليه وما أعرضه من حلول هي منتهى التطوير أو غاية المطلوب ، على العكس أنا مؤمن بأنه دائما هناك من يستطيع أن يطور ويحدث وفوق ذلك ويأصل أي يربط “الحديث” المعاصر بالقديم “التراثي” بصورة تأصل ذلك “الحديث”.
الصراع بين الحديث والقديم هو صراع طويل وممتد وكثيراً ما يثار حوله الجدل بين المعماريين العرب فنجد منهم من يميل لطرف دون الآخر ففريق نراه ينبذ كل ما هو تراثي أو تقليدي وينظر إليه كونه ردة زمنية لا تليق، ونراه يلهث وراء كل ما هو حديث أو أي صرعة جديدة تظهر في العمارة الدولية غير مبال ما إذا كانت تتوافق مع مجتمعاتنا أم لا!!!!!! وعلى الجانب الآخر نجد الفريق الآخر يعيش حالة من جمود الماضي “شكلياً” متمسكاً بكافة صوره البصرية التراثية وكأنه يرفض أي نوع من أنواع التجديد سواء الوظيفي أو البصري أو حتى التقني!!!!!!!!
في عمارة المساجد نرى بوضوح أعمال كلا الفريقين ونرى بوضوح انصراف كل فريق إلى ما يؤمن به ويطبقه بصورة تكاد تكون “آليه” تخلو من أي وعي أو مراجعة. فنادرا ما نرى من قام بمراجعة الأنساق سواء التراثية أو الحداثية وحاول أن يجري تقييم نقدي عقلاني وموضوعي لها ليخرج علينا بأنساق جديدة!!
في تصميم مسجدنا بمدينة العيينة حاولنا أن نقوم بهذه المراجعة النقدية واجتهدنا قدر المستطاع في أن نبحث عن الأنساق التقليدية التي يمكن اخضاعها للتطوير بحيث تعود مرة أخرى بفاعلية لتأدية دورها بصورة معاصر.
لقد بدأنا بأحد أهم العناصر المميزة للمسجد على الإطلاق ألا وهو المئذنة. ذلك البناء المرتفع الذي كانت له وظيفة أساسية في العهود الأولى للإسلام حينما كان يرتقي المؤذن درجاتها ليقف على شرفتها ويؤذن للصلاة ليسمع الناس الأذان معلنا وقت دخول الصلاة في المدينة الإسلامية القديمة.
على مر التاريخ والعصور وصولا إلى وقتنا المعاصر والمئذنة تتربع على قمة الأنساق البصرية المميزة لبناء المسجد متخذة تشكيلات لا نهائية ونادرا ما نجد مسجدا يبنى بدونها فالمئذنة من أهم العناصر البصرية والتشكيلية المميزة للمسجد.
الأمر المستغرب أنه لا يوجد من بين الحداثيين أو التقليديين من تطرق للمئذنة بأي صورة من الصور لمراجعة هذا العنصر بعيداً عن المفردات البصرية له !!! الكل في وقتنا الحالي يتعامل مع المئذنة كونها عنصر بصري فقط ولا يفكر أحد في مراجعة الشق الوظيفي لها
لقد اجتهدنا لوضع مراجعة للمأذنة وظيفيا وبصرياً لعلنا نستطيع أن نعيدها للعب دور أساسي في تكوين المسجد من جديد. فإن كانت الوظيفة السمعية للمئذنة قد انتفت بعد أن أصبح هناك الميكروفونات الحديثة والتي تستطيع أن تنقل صوت المؤذن بصورة واضحة وقوية لمسافات بعيدة، فهل كل الناس لديها حاسة السمع؟ لماذا ننسى أن هناك بيننا من حرم نعمة السمع؟ وهؤلاء بدأت بعض البرامج التلفزيونية في مراعاتهم وإيصال الأخبار إليهم بلغة الإشارة. وعليه فقد قررنا أن تكون مئذنة مسجدنا ايضاً لديها القدرة على إعلان وقت الصلاة بصورة مرئية بخلاف المسموعة فقد صممنا المئذنة ووضعنا في بدنها مجموعة من التشكيلات ” الكريستاليه ” الزجاجية ووضعنا على قمتها مجسم زجاجي كبير وكل يتم إضاءته بألوان مختلفة من الإضاءة كل يعبر عن موعد محدد للصلاة. فنحن نصلي ثلاث صلوات من أصل خمسة في وقت الليل وبالتالي يمكن للمأذنة أن ترشد من في الطريق بسهولة إلى حلول وقت الصلاة عن طريق لون الإضاءة الذي سيشع من تلك المسطحات الكريستاليه، فقد خصصنا لكل وقت صلاة لون إضاءة محدد واخترنا لونين أساسيين يمكن للعين أن تميزهما بسهولة للصلوات التي يحل موعدها بالنهار فاخترنا الأحمر لصلاة الظهر والأخضر لصلاة العصر وهي نفس الألوان التي تستخدم في الإشارات المرورية. ويتحكم في تغيير ألوان الإضاءة الخمس بالتتابع دائرة إلكترونية متصلة بمؤقت إلكتروني للصلاة.
بهذه الكيفية نأمل بأن تعود المئذنة لحمل وظيفتها من جديد كعنصر بصري ووظيفي يتم من خلاله الإعلان عن حلول وقت الصلاة.
محمد الرافعي ، 2 يناير 2020