جائزة دولية ومسئولية عظيمة
العمارة الصادقة……
نحن المعماريون رأس مالنا الحقيقي في هذه الحياة هو “فكرنا” وكل فكر مالم يترجم إلى واقع يصبح هباء وطنينا فارغا تذروه رياح النسيان سريعا. فالعمارة هي النتاج هي التجربة الفراغية هي الذاكرة التي تحفظ بداخلها مجتمعاتنا كينونتها ، طموحاتها ،أحلامها و ثقافاتها ، هي الرسائل المشفرة التي نرسلها لمن سيأتي من بعدنا في الأجيال القادمة هي التجسيد المادي والمعنوي للجهد المتراكم عبر المسار الطويل من أجل تحقيق الهدف الحقيقي ألا وهو “جودة الحياة”.
قد يغني مبنى واحد عن كتابة ألف كتاب ، فكل مبنى يحمل فكرا سيمنحك أياه في تجربة واقعية معاشة تبقى لمئات بل ألاف السنوات فكم من مرة استمعنا وانبهرنا بما تحكيه لنا مبانينا التراثية وكم من دروس تعلمناها في فراغاتها وبين جدرانها التي تنبض بالحكمة والحياة.

المشروع منشور في صفحة الجائزة
أعود وأذكركم بما أردده دائما بأن الصوره الفوتوغرافيه تستطيع أن تحفظ لقطه ثنائية الأبعاد ويستطيع الفيديو أن يضيف إليها الحركه والصوت ولكنه وحده المبنى الذي يستطيع فوق هذا وذاك أن يحفظ صوره كاملة معاشه للحياة نفسها وأن ينقلها في رسائل تتلقاها الأجيال ، هذا ماكنا نفكر به عند تصميمنا لهذا المبنى؛ ما هي الرسائل التي يمكن أن يبوح بها المبنى لمستخدميه و تبقى للأجيال:
• الجمال لا يشترط الكلفه الباهظه كي يتحقق.
• قد تمدنا المباني الحديثة بإمكانيات هائله ولكنها تعجز عن إشعار قلوبنا بالدفء وأرواحنا بالسلام.
• إن كنت في كنف الطبيعه فدعها تحتضنك وتناغم معها وامنحها ما تستحق من احترام.
• طبيعة مادة البناء تفرض المقياس وأسلوب الإنشاء يفرض التشكيل، إلا أنه عند مزجهم بعفوية ضبط التصميم أثناء البناء تأتي النتائج مبهره وغير متوقعه.
• التفاصيل المدروسه بعناية هي المؤتمنه على تجسيد الشخصيه.
• لا تزدري الطين كمادة بناء فأجسادنا صنعت منه.
• البهجة لا يصنعها الفراغ ولكن تصنعها الأحداث السعيده التي يسمح بحدوثها الفراغ.
• تستطيع أن تعزف سيمفونيات من الظل والنور.
عبر الحياة المهنية للمعماري إن استطاع أن يترجم كل ذلك في مشروع واحد على الأقل فهذا يكفيه فالأمر حقيقة صعب جدا وخارج عن يديه فهو لا يملك القرار وحده ولكن هو يملك ما هو أعظم : “الصبر” و “العزيمة”.
لا يطلب من المعماري أن يعزف منفردا ولكن يطلب منه أن يتمسك بمبادئه وأن يصبر على قسوة ووحشة الطريق وأن يثبت على ما يراه بصدق خير لمجتمعه.
لقد من الله علينا بأن يفوز مشروعنا “بيت مزرعة القرينة” بجائزة باكو الدولية للعمارة في دورتها الخامسة والتي ينظمها اتحاد المعماريين بدولة أذريبيجان بالمشاركة مع الاتحاد الدولي للمعماريين.
القيمة الحقيقية التي أراها من وراء هذه الجائزة هي أنها تعيد إلى جموع المعماريين في بلادنا العربية “الثقة” مرة أخرى في أن هناك من يقدر قيمة العمل الصادق وأن لا تزال العمارة الساعية للصدق تلقى صدى عند البعض وتجد عيون وعقول صاغية وأن “الغث” مهما انتشر وسيطر وأضاع بوصلة مجتمعاتنا فلا يزال هناك مكان للـ “الثمين” فلا يجب أن نيأس ولا نفتر بل علينا أن نزيد من ثباتنا وتطلعنا لتحقيق ما أعتبره رسالة سامية من أجل مجتمعاتنا وهو : العمارة الصادقة.
محمد الرافعي، 4 أكتوبر 2021